يعد مفهوم الإرشاد الإلكتروني مفهوماً حديثاً نسبياً، حيث شهدت الثمانينيات من القرن العشرين البدايات الأولى للإرشاد الإلكتروني عن طريق الإيميل، وخلال التسعينيات أصبح الاستخدام المتزايد للهواتف الذكية والحاسوب والإنترنت سببًا في نقل ذلك إلى عالم التدخلات العلاجية من خلال الحاسوب وتكنولوجيا الاتصال الأخرى، واستخدمت تطبيقات مثل البريد الإلكتروني وغرف الدردشة ومؤتمرات الفيديو في تقديم خدمات الإرشاد الإلكتروني إلى أي مكان، وإلى المجموعات التي قد لا تصل إليها خدمات الإرشاد التقليدي وجهاً لوجه. وقد زادت الحاجة اليه في الآونة الأخيرة خاصة في ظل التغيرات العديدة التي طرأت على المجتمع الدولي مثل جائحة كورونا، والتي ترتب عليها التغيير الجذري في ظروف بيئة التعلم والتواصل بين الطلاب وبعضهم البعض أو تواصلهم مع المعلمين؛ وبالطبع فرض التواصل الإلكتروني نفسه على مجتمعات التعلم ليصبح الإرشاد الأكاديمي للطلاب إرشاداً إلكترونياً (اللحياني، 2016؛ عبد الحميد، 2018). ويمكن تعريف الإرشاد الإلكتروني (Online Counseling) بأنه وسيلة للتواصل بين المرشد والمسترشدين عبر شبكة الانترنت والتي يتم من خلالها تقديم العديد من الخدمات الإرشادية المختلفة (مديني، 2018 ).
وقد تناولت العديد من الدراسات الإرشاد الإلكتروني وأكدت وجود إتجاهات إيجابية لكل من المرشد والطالب نحو إستخدامه ، وكذلك وجود مستوى عال من الرضا عن خدمات الإرشاد الإلكتروني بما يوفر الوقت والجهد ويزيد جودة العمل، بالرغم من وجود بعض الصعوبات في فهم أساسيات الإرشاد وتدريب المرشدين على كيفية الإستشارة الإلكترونية أو إستخدام أدوات الإرشاد المختلفة (سالم، 2021؛ مديني، 2018).
وعلى مستوى المملكة فقد قامت مؤسسة الملك عبد العزيز ورجاله للموهبة والإبداع بتقديم خدمة "شاور موهبة"، والتي يتم من خلالها تقديم إستشارات تربوية ونفسية وإجتماعية متعلقة بالموهبة والابداع، لتوجيه وإرشاد الموهوبين وأولياء أمورهم وكل من يهتم بقضاياهم، من معلمين وتربويين. وذلك من خلال مستشارين مختصين في المجالات التربوية والنفسية والاجتماعية.
أهمية الإرشاد الإلكتروني
تكمن أهمية الإرشاد الإلكتروني في إيجاد بيئة إلكترونية فاعلة من خلال التحول من الإرشاد النمطي إلى الإرشاد التفاعلي بجميع مكوناته الأكاديمية والنفسية والإجتماعية. حيث يهدف إلى مساعدة الطالب على فهم ميوله وإتجاهاته وإكتشاف قدراته وتحديد أهدافه بما يتلاءم مع إستعداداته، بالإضافة الى إحداث تغييرات إيجابية في أنماط سلوكه بما يتوافق مع قيم المجتمع الثقافية والإجتماعية والمهنية. والتعرف على مشكلاتهم وكيفية مواجهتها سواء كانت داخل الأسرة (مثل اللامبالاة من قبل الوالدين، المبالغة في تقديرهم أو السخرية منهم لتفوقهم وإهمال إشباع حاجاتهم الأساسية)، إو مشكلاتهم داخل المدرسة (مثل التكيف المصاحب للتسريع التعليمي في المدرسة العادية، إخفاق المدرسة العادية في إشباع حاجاتهم، فتور حماسهم تدريجياً، تحول المدرسة إلى مركز لتسربهم)، أو مشكلات الموهوبين الإجتماعية (مثل: الصعوبة في تكوين صداقات مع الأقران، صعوبة التواصل مع الآخرين أو الشعور بالإغتراب)، كذلك مساعدة أولياء الأمور في التعرف وفهم أنماط سلوك أطفالهم الموهوبين والمشكلات التي قد تواجههم وآلية الوقاية منها أو حلها. بالإضافة الى تقديم الخدمات الإرشادية الوقائية والإنمائية والتي تساهم في زيادة الفاعلية والكفاية الإنتاجية في مجال التحصيل الدراسي. (المطيري، 2022؛ مديني، 2018؛ اللحياني، 2016).
أنواع الإرشاد الإلكتروني
يمكن تصنيف الإرشاد الإلكتروني للموهوبين إلى ثلاثة أنواع رئيسة وهي:
1- الإرشاد الإلكتروني المتزامن (Synchronous)
وهو إرشاد إلكتروني يجتمع فيه المرشد مع الطالب في آن واحد ليتم بينهما إتصال متزامن بالنص Chat ، أو الصوت أو الفيديو ويتم من خلاله تقديم كافة خدمات الإرشاد مع إمكانية الاستفادة من الأدوات الإرشادية المختلفة (صور، فيديو ....الخ).
2- الإرشاد الإلكتروني غير المتزامن (Asynchronous)
ويتم عن طريق الإيميل أو المنصة، ويوفر لهما الحرية في تقديم الجلسة الإرشادية على حسب الوقت والجهد الملائم ، وكذلك تسمح لهما بالرجوع للجلسة الإرشادية وحفظها وإسترجاعها في أي وقت (شريك، 2012 ).
3- الإرشاد المدمجBlended Learning) )
وهو عبارة عن مزج بين الإرشاد المتزامن وغير المتزامن. ويشتمل على مجموعة من الأدوات التي يتم تصميمها لتكمل بعضها البعض مثل برمجيات الإرشاد الافتراضي الفوري، وأنظمة إدارة الإرشاد والقياس بكافة أنواعه (النفسي، الاجتماعي ...الخ) وكذلك توفير الكثير من المصادر والأدوات المساعدة مثل ملفات الفيديو الإرشادية وملفات الصوت والبودكاست.
عناصر منظومة الإرشاد الإلكتروني
تتكون منظومة الإرشاد الإلكتروني للموهوبين من عدة عناصر رئيسة وهي المرشد ، والطالب ، والنظام الإلكتروني، والإدارة المدرسية ، وولي الأمر. ولضمان نجاح هذه المنظومة لابد من توافر جميع هذه العناصر والتكامل بينها.
المرشد الطلابي:
لابد أن يمتلك المرشد المعارف والمهارات الإرشادية المناسبة، بالإضافة الى إتقان أساليب وإستراتيجيات الإرشاد الإلكتروني، والمهارات التقنية في التعامل مع النظام الإلكتروني للإرشاد والإستفادة من كافة الأدوات المتاحة وفقا لمتطلبات وخصائص الطلاب.
الطالب الموهوب:
لابد من ضمان إمتلاك الطلاب للمهارات التقنية الأساسية للتعامل مع الأنظمة الإلكترونية للإرشاد الأكاديمي والتعامل مع كافة الأدوات المتاحة.
النظام الإلكتروني:
لابد من توفر نظام إلكتروني لإدارة عملية الإرشاد الطلابي يتضمن كافة الأدوات الخاصة بإدارة عمليات الإرشاد والتشخيص والوقاية والعلاج والدعم بما يتوافق مع إحتياجات وخصائص كافة الفئات والمستويات للطلاب الموهوبين. بالإضافة الى الأدوات الاثرائية مثل الخبرات والمعارف، والبرامج المتخصصة لكافة فئات ومستويات الموهوبين.
الإدارة المدرسية:
من الضروري المشاركة الفاعلة للمدرسة في متابعة تفعيل النظام وأداء المرشدين والطلاب الموهوبين. بالإضافة إلى تقديم التدريب والدعم الفني اللازم لكافة المستخدمين لضمان الإستخدام الأمثل للنظام.
أولياء الأمور:
لابد من المشاركة الفاعلة لأولياء الأمور في متابعة أداء ابنائهم الموهوبين ومدى تقدمهم ومشاهدة ملحوظات وتعليمات المرشد الطلابي والقيام بدورهم في العملية الإرشادية والتدخل إن تطلب الأمر وفقا للأدوار المحددة لهم من خلال المرشد على النظام.
مميزات الإرشاد الإلكتروني
تعددت مزايا الإرشاد الإلكتروني مقارنة بالإرشاد التقليدي حيث يعتبر وسيلة فعالة مع الطلاب وخاصة الذين يعانون من القلق والرهاب الإجتماعي، كما أنه يسمح للمسترشد بحفظ السجلات والرجوع للإستشارة في أي وقت ، وقراءاتها أكثر من مرة. كما أنه لا يحتاج إلى جدولة ومواعيد زمنية ، وحجوزات مسبقة كالإرشاد المباشر . كذلك فإن هذا النوع من الإرشاد جيد في حالات ندرة المرشدين المؤهلين في مجال معين ، أو غير المقيمين في نفس المكان الذي يقيم فيه الطالب (اللحياني، ٢٠١٦؛ مخيمر، ۲۰۱۳).
كذلك يتميز الإرشاد الإلكتروني بإمكانية الإستفادة من الأدوات المختلفة في عمليات التشخيص والوقاية والعلاج لكافة الفئات والمستويات من الطلاب الموهوبين . بالإضافة إلى توفر برامج متخصصة تراعي الفروق الفردية وخصائص وقدرات الطلاب المختلفة.
صعوبات تطبيق الإرشاد الإلكتروني
وبالرغم من أهمية الإرشاد الإلكتروني إلا أن هناك بعض التحديات والصعوبات التي قد تؤثر في تفعيله بالشكل المطلوب مثل غياب التواصل الغير اللفظي ، خاصة التعابير الجسدية، والإيماءات وتعبيرات الوجه ، مما يؤثر على كفاءة العملية الإرشادية وخاصة أنها تعتبر أداة هامة في عملية التشخيص. بالإضافة الى بعض المشاكل الفنية والتقنية مثل تعثر شبكة الإتصال أو عدم توفر المقدرة المالية للحصول على خدمات الإنترنت، أو إمتلاك جهاز الحاسوب لدى الطلاب، أو عدم إمتلاك المرشد، أو الطالب مهارات إستخدام أدوات وتطبيقات الإرشاد الإلكتروني، ومن الناحية الإدارية عدم دعم إدارة المدرسة لفكرة الإرشاد الإلكتروني أو توفير الدعم الفني والتقني المناسب لكافة المستخدمين (عبد الحميد، 2018).
وفي النهاية يتبقى لنا السؤال الأهم ...... هل حان الوقت لإنشاء منصة وطنية متكاملة للإرشاد الإلكتروني للموهوبين بالمملكة العربية السعودية لتلبية إحتياجاتهم المختلفة وفق أسس علمية وبمشاركة الخبراء والمختصين وذوي الخبرة من داخل المملكة وخارجها.
1. سالم، محمد محمد؛ علي، حسام محمد عبدالعال محمد؛ دسوقي، شيرين محمد أحمد؛ ومحمد، عبد الصبور منصور. (2021). فعالية الإرشاد التكاملي الإلكتروني في تنمية الإبداع الانفعالي لدى التلاميذ الموهوبين ذوي صعوبات التعلم. مجلة كلية التربية، ع33 ، 643 - 709 . مسترجع من http://search.mandumah.com
2. شريك، عمر. (2012). توظيف الإنترنت في مجال الارشاد النفسي التربوي- دراسة لمواقع في الولايات المتحدة نموذجاً. مجلة دفاتر المخبر. مج. 9، ع. 1، 2014 ص. 447-462. الجزائر.
3. عبد الحميد، أحمد محمد. (2018). التنبؤ بالاتجاه نحو الإرشاد الإلكتروني في ضوء متغيري وجهة الحياة المهنية والتوافق المهني لدى مرشدي الطلاب بالمملكة العربية السعودية مجلة كلية التربية، مج34, مسترجع من: 8824/http://search.mandumah.com/Record
4. اللحياني، ملاك عايض عبد الشفيع. (2016). الإتجاه نحو الإرشاد الإلكتروني لدى عينة من العاملين على رعاية الموهوبين والموهوبات بالإدارة العامة للتربية والتعليم بمحافظة جدة: دراسة مقارنة مجلة التربية الخاصة والتأهيل، مج3، 10 ، 20 ،355 .
5. مخيمر، سيهار صلاح. (2013). الإرشاد النفسي عبر الانترنت: ماهيته، أبعاده، ووسائل تطبيقاته في مصر والعالم العربي. مجلة الإرشاد النفسي،(35)، ص591-607.
6. مديني، منال إبراهيم عبد الله؛ الراشدي، عائشة مناجي ناصر. (2018). الإرشاد الإلكتروني وعلاقته بجودة العمل لدى مرشدات المرحلة الثانوية بجدة . المجلة العربية للعلوم الاجتماعية، 14، ج5 ، 18 55 - مسترجع من: 964241/http://search.mandumah.com/Record
7. المطيري، خديجة داخل؛ الغامدي، نوال غرم الله. (2022). الاتجاه نحو الإرشاد الإلكتروني لدى عينة من طالبات المرحلة الثانوية في ضوء بعض المتغيرات الديموغرافية في ظل جائحة كورونا بجدة. دراسات عربية في التربية وعلم النفس، ع143 ، 45 - 90. مسترجع من http://search.mandumah.com/Record/1296443: