قراءة في التجربة الابتكارية في أمريكا واليابان- 2
اليابان وسر الثورة الإلكترونية
قصة البداية..
بدأت قصة اليابان مع الثورة الصناعية للإلكترونيات عندما نقل المستثمرين الأمريكيين أشباه الموصلات إلى اليابان في السبعينات بحثاً عن الأيدي العاملة الرخيصة، ولم يعلموا هؤلاء أنهم بذلك كانوا يغرسون بذور الحضارة الالكترونية اليابانية الحديثة، فقد عمل اليابانيين في شركاتهم وأصبحوا خبراء في عمليات التشغيل وفهم إجراءات الإنتاج ومن ثم أصبحوا بما لديهم من إرادة وما اكتسبوه من خبرة ودراية قادرين على محاكاة المنتجات الأمريكية بمنتجات أخرى لها نفس الشكل والأهلية وذات تكلفة أقل.
بالطبع لم يكن المجال التقني هو الوحيد الذي اتبع المُصَنِّعين اليابانيِّين فيه استرتيجية خفض التكلفة من خلال النظام الآلي (Automatic system )، بل إن هذا النظام الأوتوماتيكي دخل في العملية التحسينية للعديد من الصناعات اليابانية، فقد طوَّرت هذه الشركات العديد من المُعِدَّات المنزلية من خلال تشغيلها بالنظام الأوتوماتيكي، حتى أصبحت الشركات التي أنتجت أقلام الحبر والأدوات القرطاسية وصناديق الموسيقى في بداية الثمانينات قادرة على تسويق رجل آلي متقدم نتيجة لما اكتسبوه من المعرفة والخبرة أثناء قيامهم بتطوير التقنية الآلية. ولو تأملنا في التجربة اليابانية سنلاحظ أن إنتاج الروبوتات التي صنعت فرقاً كبيراً في العالم اليوم كانت أحد ثمار هذه العملية التحسينية.
لكن السؤال الأكثر أهمية هو ما تأثير النجاح الياباني على الصناعات الأمريكية اليوم؟
على مدى الثلاثين عاماً الماضية زادت اليابان من قدرتها على إنتاج منتجات ذات جودة عالية بتكلفة أقل، وزاد بالتالي اعتماد أمريكا على المنتجات اليابانية المحسنة أما الآن فهي تعتمد على ابتكاريتها. فبينما تفوقت أمريكا في الاستهلاك والابتكار، تفوقت اليابان في الوفاء بحاجات المستهلك وتحسين المبتكرات الموجودة. ومما تجدر الإشارة إليه هو أن المخرجات اليابانية والأمريكية الحالية إنما تعود إلى الفلسفة الخاصة بكل ثقافة فالشركات الأمريكية على سبيل المثال تفضل فلسفة الـ (Three S) والتي تعود إلى: الاستراتيجيات Strategies))، والبُنى (Structures)، والأنظمة (.(Systems فمثلاً عندما يريد المدير الأمريكي أن يقوم بتغيير ما فإنه سوف يقوم أولاً بإعادة تنظيم البنية ومن ثم يقوم باستحداث توجه استراتيجي وفرض نظام جديد، الأمر الذي يقود إلى خلق عالم جاف لا حياة فيه. في حين أن نجاح الشركات اليابانية وديمومتها كان ثمرةً للحرص الدقيق على الـ Four S)) وهي: الفريق (Staff)، والمهارات(Skills) ، والأسلوب(Style) ، والأهداف بعيدة المدى(Superior goals) (the long-term view)).
وأخيراً..
نستخلص مما سبق أن العملية الابتكاريه بجميع مراحلها وومضة ابتكارها وتجريبها وتقييمها واحدة في كل العصور والظروف والمجالات والسياقات الاجتماعية التي تجري فيها، وأننا جميعاً مبدعون ومبتكرون في القلب وأن كل واحد منا لديه قدرة ابتكاريه متساوية بشكل تقريبي، الأمر الذي يقودنا إلى أن تباين المجتمعات والبيئات في التحفيز والقيم المعيقة أو المشجعة يؤدي إلى تباين معدلات الابتكار وأشكاله من مجتمع إلى آخر ومن تجربة إلى أخرى، مما يعني وبمنطق هذه الرؤية أن التجارب والبيئات تؤثر بشكل ملحوظ وجلي على الابتكار.
Author :آسية بنت سعود آل رشود