لكل بناء قاعدة.. ولكل قاعدة ركائز.. فمن ركائز بناء المجتمعات الأسرة ما إن بنيت بوعي لتربية النشء أخرجت لنا أجيالاً من المفكرين ينمو معهم وطننا حضارياً مليئاً بالابتكارات.
ورحلة الابتكارات هذه قد تبدأ في سن مبكرة دون أن نشعر بها، فقد يكون أحد أبنائك موهوباً رغم صغر سنه، وكذلك أنت أيها المعلم.
منذ العقد الثالث في القرن العشرين بدأ علماء نفس الموهبة بتتبع تطور حركة تعليم الأطفال الموهوبين والمتفوقين وما زال هذا الأمر يحظى باهتمام كبير خصوصاً في مجال الكشف عن الأطفال الموهوبين ورعايتهم من خلال تجميع الدراسات الطولية التتبعية.
ومن أوائل العلماء الذين تناولوا هذا الجانب (لويس تيرمان) الذي صدر كتابه الأول عن "السمات العقلية"، وكذلك كتاب (كاثرين كوكس) بعنوان "السمات العقلية لثلاثمائة والبدنية لألف طفل موهوب عام 1925"، مؤلفين بعنوان "الأطفال" واستمرت هذه الأبحاث حتى أصدرت (لينا هولينغويرث) عام 1942 "عبقري" "الموهوبون" و"الأطفال الذين نسبة ذكائهم أكثر من 180".
ومن ثم شهدت حركة أبحاث تعليم الأطفال الموهوبين والمتفوقين تاريخي مجهودات هائلة على الجانبين النظري والتجريبي لتعريف مفهومي الموهبة والتفوق وقياسهما لدى الطفل ما قبل المدرسة، حيث أثبت الباحثون أنماطاً من السلوك التي تميز الأطفال الموهوبين عن غيرهم، والتي أخذت كإطار مرجعي لتصميم مقاييس وأدوات يستخدمها من يتعامل مع الطفل، يمكنهم من تقدير السمة تقديراً موضوعياً.
هذا الأمر سهل على الباحثين في علم نفس الطفل، وضع الخصائص السلوكية والمعرفية للأطفال ومحاكاتها للتمكن من قياسها بصورة مقننة تعطي مؤشرات نستطيع من خلالها الكشف عن الطفل الموهوب.
ففي مرحلة الطفولة المبكرة أثبتت الدراسات أن هناك نسبة من الأطفال الموهوبين الذين تسربت مواهبهم دون نموها وتطورها من أطفال الطبقة المتوسطة والفقيرة الذين فقدوها في سن مبكرة.
رغم أن هناك اختبارات نستطيع توظيفها للكشف عن الطفل الموهوب، كاختبار بينية للذكاء الذي وضع لكشف الأطفال ذوي القدرة العقلية المتدنية لعزلهم وتنظيم برامج تربوية خاصة لهم، هو نفسه الاختبار الذي طوره تيرمان ونقل إلى دول عديدة ليحتل المركز الأول بين أساليب الكشف عن الأطفال الموهوبين والمتفوقين لإلحاقهم ببرامج خاصة.
ومقولة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان "سيكون هدفنا أن يحصل كل طفل سعودي أينما كان على فرص التعليم الجيد، وفق خيارات متنوعة، وسيكون تركيزنا أكثر على التعليم المبكر "تجعلنا ندرك بأن الأطفال ثروة وطنية في غاية الأهمية لا يمكن تبديدها أو إهمالها، إذ لا بد من توفير كل الفرص التربوية المناسبة التي تساعد الطفل في الوصول إلى أقصى طاقاته، فضمان تكافؤ الفرص للأطفال بجميع طبقات المجتمع وحماية ضمان النمو المتوازن للطفل الموهوب والمحافظة عليه من اندثار موهبته بسبب ظروف اقتصادية أو اجتماعية، وتقديم العون له ولأسرته من خلال التالي:
* تقديم برامج تربوية وإرشادية للأسر (كما قامت مؤسسة الملك عبدالعزيز ورجاله للموهبة والإبداع بتقديم دورات تدريبية للأسر لتوعيتهم بأساليب الكشف عن الأطفال الموهوبين، وكذلك تقديم إصدارات علمية تخدم الطفل الموهوب، أساليب التربية ونماذج تدريسية تسهم في تطوره).
* رعاية الطفل الموهوب بتقديم برامج مهارية تعليمية مصنفة بأسلوب علمي مقنن مرتبطة باختبارات ذكاء تقيس مدى تقدم الطفل وتطوره في مرحلة الطفولة المبكرة في المدارس أثناء تطبيقه المهارات التعليمية.
* الاستفادة من الأبحاث العلمية والدراسات التي قامت على تطبيق أساليب الكشف عن الموهوبين في مرحلة الطفولة المبكرة في الدول العربية والأجنبية والعمل بتوصياتها، وتهيئة الطفل للإبداع والتميز والحفاظ على تطوره في المجال الذي يبرع فيه.
فمن هنا أشيد بأن رؤية (موهبة) بتمكين الموهبة والإبداع كونها الرافد الأساسي لازدهار البشرية من خلال رعاية الموهوبين ما إن بدأت في مرحلة مبكرة بالكشف عنهم وتوفير بيئة محفزة لهم وتعزيز الشغف لبنائهم، سيسهم في زيادة عدد قادة المستقبل للإبداع والابتكار، كما ذكره الملك عبدالله طيب الله ثراه (إن الموهبة دون اهتمام أشبه ما تكون بالنبتة الصغيرة دون رعاية أو سقيا، ولا يقبل الدين، ولا يرضى العقل أن نهملها أو نتجاهلها.)