أنماط التفكير … مجال أرحب للموهبة
إن كانت نظرية قاردنر تتحدث عن تصنيف الذكاء وأحوال الناس فيه، فإن هناك نظريات ذهبت إلى أبعد من ذلك لتضع تفصيلا أكثر في اختلاف الناس في آلية التفكير وخطواته، وتميز بعضهم في بعض مراحله دون الأخرى. فمن أوائل الذين أفردوا تصنيفا للقدرات المهمة التي تتوزع بين جمع كبير من البشر هو تايلور Taylor, 1978, 1988) ) الذي خرج بتصنيف سماه بـ مهارات التفكير (Thinking Talents). القدرات التسع التي ذكرها تايلور هي: الذكاء التحصيلي، التفكير الانتاجي، الذكاء الاجتماعي، قدرات التخمين والتوقعات، قدرات اتخاذ القرار المناسب، التخطيط، التطبيق، العلاقات الانسانية، القدرة على استغلال الفرص. هذا التصنيف يلفت الانتباه إلى ضرورة الاهتمام بالفرد ككل، وتبصيره بقدراته التي يتميز بها، والأخرى التي تحتاج إلى تعزيز. تايلور يؤكد من خلال أبحاثه أنه من الناحية العملية لا يوجد من بين التلاميذ من يستطيع أن يكون الأفضل في جميع هذه الخطوات، ولا يوجد من بين التلاميذ من يبقى في مركز الوسط بصفة دائمة، كما أنه لا يوجد من يكون في قاع الترتيب على الدوام. في مقابل ذلك أثبتت دراسات تايلور أن كل تلميذ لديه من جوانب القوة في بعض هذه المهارات كما أن لديه جوانب من الضعف في جوانب أخرى .
لذلك من المقرر علميا أن وضع برنامج متكامل لتنمية هذه المهارات لدى جميع التلاميذ أمر في غاية الأهمية، وفي الوقت نفسه ليس بالأمر السهل. من هذا المنطلق ذهب كثير من الباحثين إلى محاولة تصنيف هذه القدرات إلى مكونات دقيقة فصنف وليامز (Williams, 1970, 1982) ثمان مهارات تفكيرية أخرى وأوصلها قيلفورد إلى 180 مهارة (Guilford, 1967, 1988) ومن مبدأ أن التصنيف وحده لا يكفي، عكف هؤلاء الباحثون وغيرهم إلى إعداد برامج دقيقة لتنمية هذه المهارات على سبيل الإفراد وعلى سبيل الإجمال، نتحدث عن بعضها في مقالات أخرى إن شاء الله تعالى.
خلاصات ومبادئ لابد من التأكيد عليها
• معظم نظريات الموهبة تعتمد في تعريفاتها على مفهوم الذكاء ونظرياته. ولعل أهم نقلة في مفهوم الموهبة في العصر الحديث أنها ليست وجها واحدا. هذه النظرة استمدت من النظرة الحديثة للذكاء على أنه أنواع متعددة وأنماط مختلفة. وعلى هذا الأساس لا توجد صورة واحدة أو تعريف محدود يجسد نوعية السلوك الموهوب.
• معرفة الأنواع المتعددة للذكاء ومهارات التفكير المتنوعة يعين المربي على أن ينظر إلى من يتعهدهم بمنظور يختلف عن المتعارف عليه (ذكي ، متوسط الذكاء، غبي أو صاحب قدرات متدنية) فالنظرة هنا نظرة احترام للجميع فمعظمهم أصحاب قدرات متعددة بحاجة إلى توفير فرص تعليمية متقدمة تتناسب مع هذا التنوع في القدرات والأفهام.
• الأخذ بمفهوم الذكاء المتعدد يضع أساسا لتغيير جذري ونوعي في النظام التعليمي في مدارسنا مما يتيح الفرصة أمام الجميع ليكونو أفرادا فاعلين في مجتمعهم مع الشعور بالرضى والثقة الإيجابية في النفس.
• الاهتمام المبالغ فيه من قبل مدارسنا وبيوتاتنا بالتحصيل الدراسي وحصر الموهبة في هذا الجانب فقط يضيق فرص الاهتمام بتنمية قدرات الطفل الأخرى التي أثبتت الدراسات تلو الدراسات أنها الأهم لبناء شخصية متوازنة معدة إعدادا جيدا للحياة بجميع جوانبها.
• وجود قدرات عالية في أحد المجالات لا يكفي لحصول النبوغ والتميز، فلابد من توافر الأجواء الاجتماعية والنفسية المناسبة لرعاية هذه القدرة وتنميتها.
الكاتب: د. عبدالله بن محمد الجغيمان